قصة حديث في رواق المشرحة قصص قصيرة جزء ٢ - أنامل عربية

ما زالت صرخات الضحايا يتردد صداها في رواق المشرحة، اليوم سوف نتعرف على الجثة رقم 17 ونكتشف سر الرقم 55.

قصة حديث في رواق المشرحة الجزء الثاني 

قصة حديث في رواق المشرحة الدكتور أنس زايد
د. أنس


 قصة حديث في رواق المشرحة - سر الرقم 55

صباحاً وجدت طبيبة مستجدة، ساقتها الأقدار ومصوغات التعيين إلى مكتبي، هذا ما كان ينقصني امرأة في مقتبل العمر، على الرغم من أني لا أنكر أنني تعلمت وتدربت وأتقنت مهنتي بفضل الدكتورة أمنية محمود رئيسة المشرحة، إلا أنني أكره أن تشاركني امرأة شابة في مكان إبداعي. 

أخذت منها الملف وأشرت عليها بأن تتسلم مهام عملها من تاريخه بنظرة سريعة عرفت أن اسمها ليليان عبدالرحمن عزباء عمرها 26 عام.

قصة حديث في رواق المشرحة وطبيبة مستجدة

قصة حديث في رواق المشرحة - الدكتورة ليليان
دكتورة

 استقابلتها الدكتورة أمينة بالترحيب وشرحت لها مهام عملها ونبهتها لضرورة ملازمتي خلال الأشهر الأولى، كاد الغيظ أن يفتك بي ألا يكفي أنها تقتحم معبدي، لا أصبحت بأمر من الرئيسة ملازمة لي.

على الرغم من ذلك يبدو من قسمات وجهها أنها هادئة جدا، ذكرتني بأيامي الأولى، دعوتها لشرب القهوة فرحبت وددت لو دسست لها سما في الفنجان.

 جالت عيناها في الغرفة بحذر وتوتر بالغ حاولت أن أخفف عنها وأمازحها، كي تنسجم لكن صوت الدق المتواصل الذي أتى من المشرحة دفعها لتنهض من فوق الكرسي  لكي تسألني بقلق: هل هناك عامل يصلح أحد الأبواب؟ ابتسمت وقلت لها لا تشغلي بالك، لكنها كعادة النساء اللحوحة أصرت على معرفة سبب تلك النقرات المتسارعة.

طمأنتها أن الدق قادم من الثلاجة رقم ١٣ وحدها تصدر الأصوات، وأن هذا أمر مألوف وخاصة ليلاً، لكن عندما تصدر منها تلك النقرات فهذا دليل على أن أحد العملاء على وشك القدوم.

حاولت أن تجمع شتات نفسها وتتمالك أعصابها ولاحظت قشعريرة سرت في أوصالها، مما أرضى غروري وجعلني أشعر بالانتصار، سأتخلى الآن عن فكرة دس السم، إذا استمرت في هذا الفزع أنا متيقن أنها ستموت من تلقاء نفسها.

 يمكنكم متابعة الجزء الأول من قصة: حديث في رواق المشرحة  

قصة حديث في رواق المشرحة وأصوات مرعبة

قررت أن أشتت انتباهها وابتسمت قائلا: " تخيل لم أقدم لكِ نفسي، أنا أنس زايد" مددت يدي، فقامت مرتبكة وصافحتني قائلة:" ليليان عبدالرحمن ".

رمقتني بنظرة متشككة ثم ارتشفت من فنجانها وما هي إلا دقيقة حتى أقبل الحاج سباعي قائلاً:" طاب صباحك يا دكتور أنس، أريد أخذ الخضار".

أجبته بأريحيه تامة:" أعتقد أن سعيد وضعه في التلاجه رقم 7".

 لاحظت تعجبها أعذرها بالطبع فهي ما زالت مستجدة ولا تعلم أن ثلاجة الموتى هي مكان العمال المفضل لحفظ الطعام وكذلك لوضع مال الجمعية، دخل الحاج سباعي وخرج حاملا كيس طماطم وخيار وفي اليد الاخرى علبة جبن.

طلبت من الحاج سباعي أن يسلم ملف الدكتورة ليليان لشؤون العاملين فرحب بها وانصرف، يبدو أن تصرف الحاج سباعي وللامبالاة على قسمات وجهه نجحت في نزع الرهبة من قلب الدكتورة ليليان ورأيت ابتسامتها للمرة الأولى، لكن لم تستمر هذه الأريحية، إذ سرعان ما أقبل سعيد دافعا ترولي عليه أحد العملاء الكرام، وبجواره مشى مندوب النائب العام الذي طلب مني أن أوقع على استلام الجثة بالطبع سوف أعد تفصيلا دقيقا عن ملابسات الحادث وتوقيت الوفاة، طلبت من سعيد أن يضع الجثة فوق منضدة التشريح.

 لاحظت علامات التوتر قد بدت وجه ليليان، غير أنها تمالكت أعصابها وطلبت مني أن تقوم بفحص الجثة، صراحة حركة مفاجئة وجريئة منها جعلتني أرفع القبعة لهذا الإقدام، قلت لها تفضلي وعدت إلى مكتبي في هدوء ورضى تام.

ما هي إلا دقائق حتى خرجت صارخة من غرفة التشريح وعلامات الرعب بدت واضحة من الرجفة التي أصابتها وانطلقت راكضة إلى الخارج، بالطبع توقعت هذا منها وأشفقت عليها، لم ألق بالا لتصرفاتها فهي من واضعي طلاء الأظافر. 

بثقة ارتديت بالطو التشريح ودفعت الباب بقدمي، غير أني وجدت أن فتاة تجلس بجوار الجثة، انفعلت من وجودها لكوني أكره وجود الغرباء، اندفعت إلى الخارج وناديت سعيد والذي أتى بدوره مسرعا، صحت:" سعيد ألم أنبه ألف مرة بعدم دخول أهالي الضحايا؟

أجاب بخوف:" أجل".

سألته بغضب:" هناك فتاة تجلس بجوار الجثة من سمح لها بالدخول؟

أقسم بأغلظ الأيمان أنه لم ير أيا من أهلها ولا يعلم كيف دخلت، طلبت منه بحدة أن يدخل ويخرجها على الفور.

ما هي إلا دقائق و خرج قائلا:" لا يوجد أي مرافق مع الجثة لقد نظرت أسفل منضدة التشريح وفتحت كذلك ثلاجات الموتى وكلها فارغة تماما.

طلبت منه أن ينصرف وفسرت الأمر بأنه بسبب تصرفات الدكتورة ليليان التي هيأت عقلي الباطن ودفعته لتصور وجود مرافقين.

دخلت فلم أجد الفتاة المرافقة، فور تفحصي للجثة تبينت أنها لفتاة في السادسة عشرة من عمرها، يبدو أنها أسلمت الروح منذ أربع أو خمس ساعات وأنها دفعت إلى المياه وهي على قيد الحياة وأن سبب وفاتها هي أوكسفيا الغرق،

مع تيقني أنها فارقت الحياة إلا أن هناك أصواتاً خفيفة كنت أسمعها من فمها أنفها، لاحظت وجود طعنة غير نافذة بكتفها الأيسر وأخرى في فخذها، وهناك آثار لحروق متفرقة في جميع جسدها يبدو أنها قد تعرضت للتعذيب قبل دفعها إلى المياه.

كتبت تقريرا مفصلا حول الجثة، لم تغير المياه وجهها لكونها لم تبقى في الماء فترة طويلة، خرجت لأقرأ تقرير النيابة الذي وقعت عليه منذ قليل وعلمت أن شرطة المسطحات المائية عثرت على الجثة في ساعة مبكرة من صباح اليوم، وجاري الاستدلال على أهلها.

ضغطت الجرس وطلبت من سعيد أن يضع الجثة في الثلاجة رقم 17، وارفقت التقرير مع أمر النيابة وطلبت منه ألا يسلم التقرير للموظف المختص، عند انتهاء ساعات العمل، عدت إلى منزلي ثم خرجت مع صديقي أحمد الذي يعمل ضابطا ويستعد هذا المتهور حاليا للزواج أراد شراء بعض المستلزمات الكهربائية لشقته الجديدة.

قصة حديث في رواق المشرحة - كابوس مخيف يتكرر كل ليلة

قصة حديث في رواق المشرحة - الفتاة المجهولة
كابوس 

مساءا عدت منهكا ومن شدة الإرهاق نمت مكاني على الأريكة، غير أني فزعت وقمت من نومي على صوت الفتاة الغريقة كانت تناديني باسمي وتشير برعب إلى النهر. استعذت بالله من هذا الكابوس وتوجهت إلى غرفتي جلست على فراشي محاولا فهم هذا الكابوس، لكن غلبني النعاس مرة أخرى ورأيت في منامي أن الفتاة التي تخيلتها ترافق الجثة هي نفسها الجثة.

قامت من فوق منضدة التشريح وقادتني إلى النهر مرة أخرى وقالت:" أرجوك انقذ أخواتي" ثم أقبل نحوها وحش ضاري فصرخت بشدة وسقطت في المياه، حاولت أن أنقذها لكن لم أستطع.

في حياتي لم أر حلما متكررا ومعقدا إلى هذا الحد. صباح اليوم التالي قررت أن أفرغ ما في معدة الجثة وهالني أن وجدت آثار مادة كحولية في طعامها، أي أهل يسمحون لفتاة في السادسة عشرة باحتساء الخمور؟ وجدت بقايا جلدية في أظافرها فاستخرجتها وكتبت تقريرا مقتضبا عنها، أنهيت تقرير النيابة وسلمته للموظف المختص ليعيده إلى النيابة لمباشرة التحقيق.

قصة حديث في رواق المشرحة - روح تريد الإنتقام 

اعتقدت أني تخلصت من الحلم بعد أن سلمت التقرير، لكن هيهات ظل الحلم ذاته يتكرر لمدة ثلاث ليال ولم يزد فيه سوى صورة اليخت الذي يحمل رقم 55. ما زاد من ربكتي أن تصريح النيابة لم يأذن بدفن الجثة، بل جاء قرار بالتحفظ على جثة الفتاة لحين الاستدلال على هويتها وأهلها. 

اقرأ ايضا قصة درب شائك بالبراءة 

كنت على يقين أنها تنتمي لأسرة ما، لقد جاءت في منامي مطالبة بإنقاذ أخواتها، لكن من يستند إلى حلم في دنيا الواقع؟ وحدها ظنوني، لكن ماذا لو كان لها بالفعل أخوات يتم تعذيبهن وعدم نجاح الشرطة في تحديد هويتها، ربما يشجع الجاني على إزهاق أرواح الأنفس البريئة، صرت في بحر لجي تغشاه أمواج من متلاطمة الظنون، لن أتنظر حتى تأتي جثة أخرى.

قصة حديث في رواق المشرحة - الطبية ليليان ترى شبح في المشرحة

قصة حديث في رواق المشرحة - الطبيبة ليليان
شبح 

خرجت ليليان من غرفة التشريح بعد دخولها ببضع دقائق، وقالت لي بخوف:" هناك دقات متواصلة ولا أعلم مصدرها"

قلت: " أخبرتك يا دكتورة أنها تهيؤات، ربما سقط منك مشرط أو مقص ما. قالت بثقة ممزوجة بالخوف: "لم تخبرني أنها تهيؤات لقد قلت أنه تنبيه بقدوم جثة جديدة، كما أنني متأكدة من أن جميع الأدوات في مكانها، ليست الدقات وحدها ما يربكني، أرى أحيانا شبح فتاة باكية تجلس في زاوية الغرفة."

تنهدت وقلت:" لا تقلقي إنه شبح الفتاة الغريقة، التي تقبع في الثلاجة رقم 17."

نظرت بذهول وسألتني:" هل هذا طبيعي؟ "

أجبتها:" بالطبع لا،  هناك سر ما حول جثة تلك الفتاة، أنا أراها يوميا في نومي وتطلب مني أن أنقذ أخواتها، دعكِ من هذا هل انتهيتِ من تشريح الجثة التي أتت صباحا؟"

أجابت باكية:" أجل، لم أر في حياتي هذا الكم من الطعنات، المسكينة بها 67 طعنة في أنحاء متفرقة، ناهيك عن أثار الحرق التي تنتشر في جسدها."

قلت: " هذا هو المتوقع، علمت من أختها أنها كانت زوجة لبلطجي، وأن زوجها دخل السجن أكثر من عشرين مرة زوجها له سابقة في القتل، عندما كان طفلا ودخل على إثرها الإصلاحية."

أخرجت منديلا ومسحت دموعها ثم سألتني:"  تلك الصحفية الإجرامية الممتلئة، ارتضت به تلك المسكينة وتزوجته؟"

ضحكت قائلا:" أغلب عملائنا في المشرحة من النساء."

قالت بأسف:" ربما يعود هذا أن المرأة سهلة الانخداع وعاطفية بالفكرة ولا تجيد تمييز بين الخبيث والطيب". ضحكت من فرط سذاجتها ثم تذكرت أن تقرير استلام الجثة الخاص بالفتاة الغريقة كتب فيه أنه تم العثور عليها في منطقة حلوان من منتصف النيل، اتصلت بأحمد على الفور وسألته بصفته ضابط شرطة، عن سرعة تيار مياه النيل وتوقعاته حول المكان الذي ألقيت فيه الفتاة، فأجابني أنه من المحال أن أحدهم رمى  الفتاة."

يتبع ....

رأيك يهمنا

أحدث أقدم